درس الفجر
موجبات الوضوء
وقد تتبع العلماء موجبات الوضوء، وتسمى نواقض الوضوء، أوصلها بعضهم إلى ثمانية، وتسمى نواقض وموجبات وهي معروفة مشهورة، وأشهرها وأعمها: الخارج من السبيلين البول أو الغائط أو الريح، فإن هذا متفق على أنه ينقض الطهارة وأنه يوجب الوضوء لقوله تعالى رسم> أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ قرآن> رسم> ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يخيل إليه انتقاض الوضوء قال: رسم> لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا متن_ح> رسم> فجعل ذلك من النواقض وقال: رسم> لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ متن_ح> رسم> .
والناقض الثاني: ما يخرج من البدن إذا كان كثيرا نجسا، نعرف أن البدن يخرج منه أشياء طاهرة وأشياء نجسة، فمثلا الذي يخرج من جميع البدن كالعرق هذا طاهر ولا ينقض الوضوء، وكذا الدمع إذا خرج من عينيه دموع لم ينتقض وضوؤه، وإذا خرج من فمه لعاب ريق نخام فإنه لا ينتقض وضوؤه، وإذا خرج من أنفه مخاط أو سوائل لم ينتقض وضوءه، وكذا لو خرج من أذنه أو أذنيه شيء من الوسخ لم ينتقض وضوءه بهذا، وإنما إذا خرج منه نجس كثير، فمن ذلك التقيؤ إذا تقيئ يعني خرج من بطنه عن طريق الفم شيء من الطعام الذي أكله أو الشراب كثيرا يعنى: ملء الفم مرتين أو أكثر وكان متغيرا نجسا له رائحة انتقض وضوؤه بهذا، وكذلك إذا رعف وخرج منه دم كثير يعفى عن نقطتين أو ثلاث نقط من الرعاف، أو من الجراح يعني :إذا كان فيه جرح وخرج منه نقط يسيرة لا ينتقض وضوءه، إلا بالكثير من الدم أو القيح أو القيء أو ما أشبه ذلك.
إما إذا كان الخارج من أحد السبيلين ولو كان قليلا فإنه ينتقض، إلا من حدثه دائم؛ فإنه معذور، الذي حدثه دائم كصاحب السلس الذي لا يستمسك بوله فإنه معذور، لو صلى وهو يتقاطر معذور، وكذلك أيضا من فيه قروح سيالة معذور أيضا أن يصلي ولو كانت تسيل جروحه أو قروحه، وكذلك المرأة التي تسمى مستحاضة فإنها معذورة تصلي ولو كان الدم يخرج منها، تصلي إلى أن يأتي زمن عادتها.
من النواقض التي قد يكون فيها خلاف ولكن يتبع القول الصحيح، مس الذكر باليد بدون حائل، وألحق به أيضا مس الدبر، ورد في ذلك أحاديث، وأفعال عن الصحابة -رضي الله عنهم - لا يمكن أن تكون عن اجتهاد بل لا بد أن تكون عن دليل
منها: ما رواه مالك اسم> عن رسم> مصعب بن سعد بن أبي وقاص اسم> أنه كان مرة يقرأ على أبيه في المصحف يقول: فتحككت فقال لي أبى: لعلك مسست ذكرك فقلت: نعم قال: قم فتوضأ متن_ح> رسم> فأخذ منه أن مس الذكر بدون حائل ينقض الوضوء، وأن المصحف لا يحمله إلا الطاهر، لقوله تعالى: رسم> لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ قرآن> رسم> .
ومنها أن ابن عمر اسم> نقل عن عمر اسم> - رضي الله عنه - أنه اغتسل مرة ثم لبس ثيابه، ثم توضأ فقال له ولده: ألا يكفيك الاغتسال، فقال: إني في حالة الاغتسال تمر يدي على ذكري، فجعل لمس الذكر باليد ناقضا، كذلك الحديث المشهور عن بسرة بنت صفوان اسم> يعني حديث مشهور أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: رسم> من مس ذكره فليتوضأ متن_ح> رسم> .
وفي حديث عن حفصة بنت عمر اسم> أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: رسم> أيما رجل مس ذكره فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ أو فعليها الوضوء متن_ح> رسم> ؛ ولعل السبب أنه من العورة، وأن لمسه قد يثير الشهوة؛ فلذلك أمر بالوضوء بعده، وأما حديث طلق بن علي اسم> أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: رسم> إنما هو بضعة منك أو مضغة منك متن_ح> رسم> فهذا الحديث ولو كان صحيحا لكنه منسوخ على الصحيح أنه كان في أول الإسلام .
ثم من النواقض أيضا مس المرأة بشهوة، ذهب الشافعية إلى أن مجرد لمس المرأة بأي عضو ينقض الوضوء، واستدلوا بقراءة من قرأ ( أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء ) واللمس يصدق على اللمس لمس البشرة بدون حائل قالوا: لو لمسها برءوس أصابعه انتقض وضوءه، حتى ولو كانت من محارمه، لو قبل خد أمه مثلا أو أخته انتقض وضوءه عندهم لأنه لمس امرأة، وكذلك لو صافحته امرأة من محارمه انتقض وضوءه بفعله هذا، ولكن القول الثاني: أنه لا ينتقض الوضوء باللمس المطلق؛ لعموم البلوى به، فخصوا ذلك بما إذا كان اللمس لشهوة؛ فإن إثارة الشهوة هذه تحتاج إلى ما يكسرها بهذه الطهارة، فيتوضأ وإذا تلذذ باللمس كتقبيل أو لمس يد أو عضد أو نحو ذلك من امرأته فإنه يجدد الوضوء.
ويحمل قوله رسم> أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ قرآن> رسم> على الملامسة التي هي بشهوة، إذا كان اللامس متعمدا اللمس وكان بشهوة، فيخرج من ذلك اللمس المعتاد حتى ولو كان لزوجته إذا كان لمسا بدون قصد أو بدون شهوة، فإن ذلك مما تعم به البلوى، الشافعية شددوا في ذلك حتى ذكر بعضهم كالنووي اسم> في مناسكه أنه إذا طاف بالبيت اسم> يتحفظ ألا تمسه امرأة حتى ولو زوجته، قال: من تحفظه أن يستر يديه بأكمامه أو بداخل ثوبه وأن يستر قدميه بأن يدلى ثوبه أو إزاره إذا كان محرما، حتى لا يمس بيديه ولا بقدميه امرأة لا أجنبية ولا محرما لا زوجة ولا غيرها، وهذا فيه شيء من التشدد .
فالصحيح أن اللمس يختص بما إذا كان لشهوة، يحرص الذي يطوف بالبيت اسم> ألا يباشر مس امرأة بشهوة وإذا كان هناك زحام فإنه يبتعد عنهم، حتى لا ينتقض وضوءه، وإذا أحس بشهوة وهو لم يمس أحدا فإنه لا ينتقض وضوءه، وكذلك لو مس امرأة من دون حائل يعني من وراء حائل لم ينتقض وضوءه هذا مما تعم به البلوى، بالأخص في الطواف، ونحوه، فإن الكثير مثلا إذا طافوا يضطرون في بعض الأحيان عند الزحام أن يكون إلى جانبه امرأة، قد تكون من محارمه أو من الأجانب فيحس بلذة أو بشهوة فنقول: إن هذا من الضروريات فلا ينتقض به الوضوء، يعنى أنه ليس اختياريا وإنما هو قهري فلا ينقض الوضوء.
وأما الذي يتعمد -نعوذ بالله- القرب من النساء وضمهن أو الالتصاق بهن قد يكن أجنبيات فيحصل منه التلذذ بذلك فالأصل أن هذا محرم، حتى ولو لم يحصل منه شهوة؛ وذلك لحرمة نساء المسلمين.
ذكروا من النواقض أكل لحم الإبل فقالوا بعضهم قال: يختص النقض باللحم ولا ينقض غيره، ولكن الصحيح أنه ينقض إذا أكل من الشحم أو من الكبد أو من الطحال أو من القلب أو من اللسان أو من الكرش أو من المصارين أن ذلك كله ناقض، إذا أكل شيئا له جرم، ولا ينقض الوضوء شرب لبنها أو حليبها ولا شرب المرق لأن ذلك لا يسمى لحما؛ والحكمة فيه قوة التغذية فإن لحم الإبل أقوى تغذية من بقية اللحوم، ولو كان غير مألوف مثلا أو أنه ثقيل المضغ ونحو ذلك، ولكن فيه قوة التغذية فيكون من النواقض التي يجدد الوضوء من بعدها .
وقال بعض العلماء: الحكمة في ذلك؛ أن الإبل خاصة تورث أهلها شيئا من الفخر والزهو عادة بخلاف الغنم ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: رسم> الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الإبل والسكينة في أهل الغنم متن_ح> رسم> فإذا كانت الإبل تكسب أهلها فخرا؛ فإن من آثار ذلك انتقاض الوضوء بأكل لحمها، ورد في حديث أن رسم> على ذروة كل بعير شيطان متن_ح> رسم> فإذا كان كذلك فمعناه أنها تلابسها الشياطين، وفي حديث آخر رسم> إنها جن خلقت من جن رسم> وإذا كان كذلك أنها خلقت مما خلق منه الجن، أو تلابسها فالجن خلقوا من النار، والنار تنطفئ بالماء؛ فشرع الوضوء بعد أكل لحمها، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - رسم> الغضب من الشيطان والشيطان خلق من النار والنار لا تنطفئ إلا بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ متن_ح> رسم> هكذا
جاء في الحديث أن الشيطان خلق من النار اعترف بذلك بقوله رسم> خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ قرآن> رسم> .
والحاصل أن من نواقض الوضوء أكل لحم الإبل خصه بعضهم باللحم الأحمر، ولكن الصحيح أنه يعم جميع اللحم، لكن إذا استهلك ولم يظهر طعمه إذا لم يظهر طعمه فإنه لا ينقض إذا لم يظهر له طعم كبعض: اللحوم التي تجعل في السمبوسك هذه تكون .. يسيرة مستهلكة، أما إذا أحس بأكله فإنه ينتقض وضوءه؛ ودليل ذلك ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل قيل له رسم> أنتوضأ من لحوم الغنم قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قالوا: أنتوضأ من لحوم الإبل قال: نعم قيل: أنصلي في مبارك الإبل قال: لا أنصلي في مرابض الغنم قال: صلوا فيها فإنها بركة متن_ح> رسم> فنهى عن الصلاة في مبارك الإبل أو في معاطن الإبل؛ وعلل بأنها مأوى الشياطين، وعلل بغير ذلك.
ومن النواقض تغسيل الميت، في ذلك خلاف ولكن من باب الاحتياط، حيث إنه ورد في ذلك نوع أدلة ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: رسم> من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ متن_ح> رسم> هكذا جاء هذا الحديث وهو حديث إسناده لا بأس به، ولكن قال بعضهم إنه للاستحباب، تغسيل الميت يستحب أن يغتسل بعده، وقالوا: إذا لم يغتسل فليتوضأ أقل شيء الوضوء أقل ما فيه الوضوء، وإذا شق ذلك عليه فإنه يكون سنة كما ترك ذلك بعضهم يعني بالنسبة للاغتسال، وأما قوله: من حمله فليتوضأ ففسر الحمل أو حُمل على أن المراد الاحتضان من احتضنه حمله محتضنا له وهو ميت ومس بشرته فعليه الوضوء هكذا حُمل هذا الحمل، وليس المراد حمله على النعش؛ ولذلك لما قيل لابن عمر اسم> توضأ قال كيف أتوضأ من حمل خشبة لأن حمله على النعش إنما مس الخشبة .
ثم من النواقض الردة عن الإسلام -نعوذ بالله- يعني الكفر لأنه يحبط الأعمال لقوله تعالى: رسم> وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ قرآن> رسم> رسم> لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ قرآن> رسم> رسم> وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ قرآن> رسم> فإذا تلفظ أحد بكلمة الكفر فإنه يكون بذلك قد بطلت طهارته، وعليه أن يستأنف الطهارة أن يأتي بها كاملة، فهذا من شروط الصلاة رفع الحدث من شروط الصلاة الذي هو الوضوء المعروف .
مسألة>